روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | تحرير القدس.. بعد 92 سنة من الاحتلال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > تحرير القدس.. بعد 92 سنة من الاحتلال


  تحرير القدس.. بعد 92 سنة من الاحتلال
     عدد مرات المشاهدة: 3330        عدد مرات الإرسال: 0

تحرير القدس بعد 92 سنة من الاحتلالجعل صلاح الدين الأيوبي تحرير القدس من قبضة الاحتلال الأوربي الصليبي هدفه الكبير.

وأخذ بكل الأسباب اللازمة لتحقيقه؛ إذ أعاد مصر إلى الصف المسلم بعد أن قضى على عميل الصليبيين فيها الوزير شاور، وحررها من حكم العبيديين المتحالفين مع الصليبيين، وطهَّر أهلها من بقايا معتقداتهم الباطنية الفاسدة، وأصلح أحوالهم الداخلية.

وأمّن الجبهة الغربية لمصر، واستعاد جنوب الجزيرة العربية التي استقل بها عن الخلافة رجل سيئ السيرة والسريرة، يقال له: عبد النبي بن مهدي، وضمَّ الشام والعراق واليمن والحجاز وبلاد المغرب لحكمه، وجعل المسلمين على قلب رجل واحد، وأعدَّ جيشًا مؤمنًا قويًّا، وأنشأ القلاع، وحصن الثغور، وعمَّر الأسوار، وجدّد الأسطول، وأصلح سفنه، وأقام المدارس، وبنى المستشفيات، وحقق العدل، ورفع المظالم، ونشر الأمن، وخفّف الضرائب.
 
وعندما مرض مرضًا شديدًا سنة 580هـ نذر لئن شفاه الله ليجعلنَّ أكبر همه فتح بيت المقدس، ولو صرف في سبيل الله جميع ما يملكه من الأموال والذخائر، وليقتلنّ البرنس أرناط صاحب الكرك بيده؛ لأنه تنقَّص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرّض لقافلة ذاهبة من مصر إلى الشام، فنهب أموالهم، وضرب رقابهم وهو يقول: "أين محمدكم؟ دعوه ينصركم"..
 
فعند ذلك شفاه الله وعافاه من ذلك المرض، وحارب الصليبيين، فكان النصر المؤزر في معركة حطين، حيث قتل المسلمون نحو ثلاثين ألف صليبي، وأسروا مثلهم، وكان عدد جيشهم نحو ثلاثة وستين ألفًا، وقتل صلاح الدين أرناط، وكان ذلك النصر مقدمة لتحرير القدس، حيث توجه إليها الجيش الإسلامي الذي انضم إليه كثير من العلماء والصالحينز

فحاصروها في الخامس من رجب سنة 583هـ/ 1187م، فوجدوها غاية في التحصين، وفيها أكثر من ستين ألف مقاتل، يقودهم "بالبان بن بازران".
 
واندلع القتال، فدافع الصليبيون عن المدينة، وقاتلوا قتالًا شديدًا، واستشهد بعض أمراء المسلمين، فغضب الصالحون، واجتهدوا في القتال.

وزاد غضبهم واستبسالهم عندما رأوا صليبًا كبيرًا منصوبًا فوق قبة الصخرة، وبادر صلاح الدين بأصحابه إلى إحدى زوايا السور، فنقبها، وحشاها، وأحرقها، فسقط ذلك الجانب، ودُمِّر البرج برمَّته، ففزع الصليبيون، وأرسلوا يتوسلون ويطلبون الأمان، فرفض صلاح الدين، وقال: "لا أفتحها إلا عنوة، كما افتتحتموها أنتم عنوة، ولا أترك بها أحدًا من النصارى إلا قتلته، كما قتلتم أنتم من كان فيها من المسلمين".
 
فطلب "بالبان" الأمان ليحضر عنده، فأمَّنه، فلما حضر ترقَّق للسلطان، وذلَّ ذلًا عظيمًا، وتشفَّع إليه بكل ما أمكنه، فلم يجبه إلى الأمان لهم، فقالوا: إن لم تعطنا الأمان رجعنا فقتلنا كل أسير بأيدينا -وكانوا قريبًا من أربعة آلاف- وقتلنا ذرارينا وأولادنا ونساءنا، وخربنا الدور والأماكن الحسنة، وأحرقنا المتاع.

وأتلفنا ما بأيدينا من الأموال، وهدمنا قبة الصخرة، وحرقنا ما نقدر عليه، وبعد ذلك نخرج فنقاتل قتال الموت، ولا خير في حياتنا بعد ذلك، فلا يُقتل واحد منا حتى يَقتل أعدادًا منكم، فماذا ترتجي بعد هذا من الخير؟!
 
فلما سمع السلطان ذلك أجاب إلى الصلح، على أن يبذل كل رجل منهم عن نفسه عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة دنانير، وعن كل صغير وصغيرة دينارين، ومن عجز عن ذلك كان أسيرًا للمسلمين، وأن تكون الغلات والأسلحة والدور للمسلمين، وأنهم يتحولون منها إلى مأمنهم، وهي مدينة صور، فكان جملة من أسر بهذا الشرط ستة عشر ألف أسير من رجال ونساء وولدان.
 
ودخل السلطان والمسلمون البلد يوم الجمعة قبل وقت الصلاة بقليل، وذلك يوم السابع والعشرين من رجب سنة 583هـ، وتم تنظيف المسجد الأقصى من الصلبان والرهبان والخنازير، وغُسلت الصخرة بالماء الطاهر، وأُعيد غسلها بماء الورد والمسك الفاخر، وأُبرزت للناظرين، وقد كانت مستورة مخبوءة عن الزائرين، ووُضِع الصليب عن قبتها.

وعادت إلى حرمتها، ثم قبض من الفرنج ما كانوا بذلوه عن أنفسهم من الأموال، وأطلق السلطان خلقًا من بنات الملوك، بمن معهن من النساء والصبيان والرجال، ووقعت المسامحة في كثير منهم، وشُفِّع في أناس كثير، فعفا عنهم، وفرَّق السلطان جميع ما قبض منهم من الذهب في العسكر، ولم يأخذ منه شيئًا مما يُقتنى ويُدَّخر، وكان -رحمه الله- حليمًا كريمًا مقدامًا شجاعًا رحيمًا.
 
وكانت أول خطبة جمعة في المسجد الأقصى بعد التحرير في الرابع من شعبان بعد الفتح بثمان، وقد أمر السلطان أن يخطب الناس القاضي محيي الدين بن الزكي، فخطب خطبةً سَنِيَّةً فصيحةً بليغةً، وكان أول ما قال: "فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
 
ثم قرر السلطان للقدس خطيبًا مستقرًّا، وأرسل إلى حلب، فأحضر المنبر الذي أعده نور الدين محمود، وأمّل أن يتشرف بفتحها، لكنه توفِّي -رحمه الله- ففتحها أحد أتباعه.
 
إنَّ في ذلك الفتح لبشرى للمسلمين بأن لا ييئسوا من تحرير القدس مهما طال زمن الاحتلال، وعبرة تبيِّن لهم معالم الطريق إلى النصر والتحرير.
 
[1] رئيس مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني بغزة.

الكاتب: د. خالد الخالدي

المصدر: موقع فلسطين أون لاين